خلاصة فتوى مجلس الترجيح والتجديد بشأن خسوف شبه الظل
بقلم: شمس الأنوار الميداوي
أصدر مجلس الترجيح والتجديد للرئاسة المركزية لجمعية “محمدية” بإندونيسيا يوم الجمعة الماضي (18 مارس 2016) فتوى بشأن صلاة الخسوف عند حدوث خسوف القمر شبه الظلي. وذلك لسؤال وجهه إليه مجلس إدارة أحد المساجد التابعة لجمعية “محمدية” فرع سيتوبوندو، جاوا الشرقية، إندونيسيا. السؤال هو: يعلن في تقويم “محمدية” أنه سيحدث خسوف شبه الظل للقمر في 23 مارس 2016 المقبل فهل تسن صلاة الخسوف عند حصوله؟
أجاب مجلس الترجيح والتجديد عن السؤال بأنه تسن صلاة الكسوف عند حدوث كسوفات الشمس الكلي والجزئي والحلقي، كما تسن عند حدوث خسوفي القمر الكلي والجزئي . أما بالنسبة لخسوف شبه الظل فلا صلاة خسوف أثناءه.
استدل المجلس على فتواه بما رواه البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه فكبر فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم قال (سمع الله لمن حمده) فقام ولم يسجد وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر وركع ركوعا طويلا وهو أدنى من الركوع الأول ثم قال (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) ثم سجد ثم قال في الركعة الآخره مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات وأنجلت الشمس قبل أن ينصرف ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال (هما من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة (رواه البخاري).
وأوضح الفتوى بأن المراد بالرؤية في الحديث ليس رؤية فعلية بصرية بحيث لا تقام الصلاة إذا لم ير الكسوف أو الخسوف لسبب الغيوم الكثيفة الحائلة دون رؤيتهما رؤية فعلية بصرية، وإنما المراد أن أهل المنطقة التي يقع عليها الكسوف أو الخسوف يصلونه ولو لم يروه لسبب الغيوم الكثيفة، فقوله صلى الله عليه وسلم “إذا رأيتموهما” معناه إذا وقع الكسوف أو الخسوف على مكانكم رأيتموه بصريا وفعليا أم لم تروه لسبب الغيوم الكثيفة التي تحول دون رؤيته رؤية بصرية مباشرة.
لم يرد في هذا الحديث بيان نوع الكسوف أو الخسوف الذي تسن الصلاة عند حصوله. وللتوصل إلى الحكم الشرعي الصحيح في هذه المسألة بيّن المجلس حقيقة الكسوف والخسوف وحدوثهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما حلل تحليلا دلاليا معنى الكلمتين كما وردتا في المعاجم العربية.
فكسوف الشمس هو حجب قرص القمر لقرص الشمس كما يرى من على سطح الأرض. فاحتجاب قرص الشمس قد يكون كليا ويسمى الكسوف كسوفا كليا، وقد يكون جزئيا ويسمى الكسوف كسوفا جزئيا، كما يمكن أن يحتجب الجزء الأوسط فقط منه بحيث يبقى من أطرافه ما يشبه الحلقة المضيئة االمحيطة بقرص القمر المظلم، ويسمى هذا النوع من الكسوف كسوفا حلقيا. سبب الكسوف أن مخروط الظل الأسود للقمر يصيب بقعة معينة من سطح الأرض مما يجعل تلك البقعة تشاهد أو يجري فيها الكسوف الكلي. أما البقعة الأخرى من سطح الأرض والتي يصيبها شبه الظل فتشاهد أو يقع فيها الكسوف الجزئي بحيث يرى منها قرص الشمس غير مكتمل بل مقطوع الحافة، وإذا كان الكسوف أعظم فيبدو قرص الشمس كالهلال. يحدث الكسوف عند حدوث الاقتران، ولكن ليس كل اقتران يحدث عنده كسوف الشمس، فكسوف الشمس إنما يحدث عندما يكون القمر وقت الاقتران قريبا من نقطة العقدة.
أما خسوف القمر فيحدث بسبب دخول القمر في مخروط ظل الأرض كليا أوجزئيا بحيث إذا دخل جميع بدن القمر في ظل الأرض يحدث خسوف القمر الكلي وإذا دخل بعضه فيحدث الخسوف الجزئي. وقد لا يدخل القمر في سواد الظل ولكن يمر بجانبه ويدخل شبه الظل فلا ينخسف خسوفا حقيقيا بل يحدث له ما يسمى بالخسوف الكاذب وهو شبه خسوف لا تقدر العين المجردة على تمييزه عن عدم الخسوف. ومن الجدير بالذكر أن خسوف القمر يحدث وقت الاستقبال عند منتصف الشهر القمري وهو وقت تواجد كوكب الأرض بين الشمس والقمر، ولكن ليس كل استقبال يحدث عنده خسوف القمر، فالخسوف إنما يحصل إذا كان القمر عند الاستقبال قريبا من إحدى نقطتي العقدة.
في العهد المدني لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم حدث كسوف الشمس أربع مرات تمكن مشاهدته من المدينة، وكانت كلها كسوفات جزئية، وآخرها كسوف يوم الاثنين 27 يناير 632 م الموافق لــ 29 شوال 10 هـ والذي توفي فيه ولده إبراهيم. بدأ الكسوف من الساعة 07:15:57 بتوقيت المدينة وانتهى في الساعة 09:24:59 بنفس التوقيت.
أما خسوف القمر فحدث سبع عشرة مرة، أربع منها كلية وخمس جزئية وسبع كاذبة. لم يرد ذكر خسوف القمر بصفة خاصة في الأحاديث النبوية. أكثر ما ورد فيها ذكر كسوف الشمس. لا شك أنه، كما ذكر في الأحاديث، تسن صلاة كسوف الشمس بأنواعه الثلاثة: الكلي والجزئي والحلقي لشمول كلمة الكسوف على هذه الحالات الثلاث. أما خسوف القمر فلا شك أيضا أنه تسن الصلاة عند حدوث الخسوف الكلي والجزئي كما هو الحال بالنسبة لكسوفات الشمس. ولكن انطرح سؤال حول صلاة الخسوف عند حصول خسوف شبه الظل كالذي سيقع في 23 مارس 2016 و 16 سبتمبر 2016 المقبلين.
للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نحلل كلمة “الخسوف” نفسها دلاليا. تدور معاني “الخسوف” حول الغياب والذهاب والنقصان والخرق والقطع والقلع. فقوله تعالى “فخسفنا به وبداره الأرض” معناه فغيبناه هو وداره في الأرض. خسف المكان أي ذهب في الأرض وغرق. خسفت العين عميت بحيث الظلام لا يرى فيه شيء. خسف فلان أي خرج من المرض، وفيه معنى الخروج من الشيء ثم الدخول في الشيء الآخر. وخسف العينَ أي قلعها وخسفت العينُ انقلعت. خسف الشيءَ خرقه، وقطعه. وخسف الشيءُ نقص. وخسف البدن هزل أي نقص ثقله. فعلاقة هذه المعاني بخسوف القمر هو أن الخسوف هو غياب قرص القمر في مخروط سويداء ظل الأرض فلا تراه العين من فوق سطح الأرض وهذا في حالة الخسوف الكلي. أو دخول بعض بدن القمر في المخروط فلا يرى قرصه من سطح الأرض كاملا ومستديرا بل يبدو مقطوع الحافة لسبب دخول بعض بدن القمر في مخروط ظل الأرض، أي احتجب بعض قرص القمر بينما رئي البعض الأخر من على الأرض، فضعف ضوءه بسبب ذلك.
أما إذا دخل بدن القمر في منطقة شبه ظل الأرض ولم يمس مخروط الظل الأسود فقرصه يبدو كاملا ومستديرا غير مقطوع الحافة فلا ينخسف خسوفا حقيقيا إلا أن ضوءه باهت وضعيف ولكن العين المجردة لا تستطيع تمييزه عن عدم الخسوف، ويسمى هذا النوع من خسوف القمر بالخسوف الكاذب.
بناء على هذا التحليل لكلمة الخسوف فخسوف شبه الظل للقمر لا يعتبر خسوفا حقيقيا كما يراد به في الأحاديث، وإنما هو خسوف كاذب فلذلك لا تقام أثناءه صلاة الخسوف.