نبذة عن فقه الكوارث تأليف مجلس الترجيح و التجديد

هذا الكتاب يحمل العنوان ” فقه الكوارث ” . من الملاحظة أن مصطلح الفقه هنا لم يكن مقتصرا على الحديث عن تلك الأحكام الشرعية الفرعية وحدها وإنما يشمل أيضا الجوانب العقائدية والقوانين والأخلاق. وبالتالى يمكن استخلاص القول بأن مصطلح الفقه فى هذا الباب هو فى واقع الأمرأصبح مصطلحا موسعا ولا يقتصرعلى فهم جوانب الأحكام الشرعية فحسب كما هو الأكثر استخداما لدى الكثير من الناس . فى عرف الجمعية المحمدية يترجم مصطلح الفقه على أنه مجموعة من الضوابط الإسلامية والتى يتم تصنيفها إلى ثلاثة مستويات ألا وهي أولا : القيم الأساسية وثانيا : الأصول الكلية وثالثا : الأنظمة القانونية الملموسة الواقعية أو ما يصطلح عليها بالأحكام الفرعية وعلى ذلك فإن الإجتهاد الجماعي الذى تقوم به الجمعية المحمدية من خلال مؤسستها المعروفة بمجلس الترجيح و التجديد كان ولا يزال قائما وسائراعلى هذا المنوال فى سبيل استنباط الأحكام حول هذه القضايا الثلاث
وانطلاقا من هذا المفهوم من الفقه فإن هذا الكتاب يحاول تقديم نوع آخر من المعرفة والفهم حول القضايا المرتبطة بالكوارث وتحليلها من المنظور الديني . فقد سعى هذا الكتاب إلى توضيح المسألة من وجهة نظرتعاليم هذا الدين أو ماذا قال الإسلام عن حقيقة الكوارث . فهناك عشرة مصطلحات تتعلق بالكوارث ذكرت فى القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف يتم وصفها وصياغتها فى هذا الكتاب ألا وهي المصيبة و البلاء والفتنة والعذاب والفساد والهلاك والتدمير والتمزيق والعقاب والنازلة
كما بين هذا الكتاب كيفية التجاوب مع الكوارث واتخاذ المواقف المناسبة تجاهها فى منظور التعاليم الإسلامية ، علما بأن هناك فى بعض المجتمعات من يميل فهمه إلى أن الكوارث هي شكل من أشكال غضب الرب على البشر و ظلمه للخلق ، وعلى هذا الإعتبار فإن هذا الكتاب يبين أنه ينبغى للإنسان عندما يرى الكوارث أن يضع نصب عينيه صفات الله العليا وهو الرحمن والرحيم والعدل والحكيم حتى يدرك أن الكوارث إنما ساقها الله عز وجل لتكون وسيلة للإنسان من وسائل محاسبة النفس والإختبار على تقوية الإيمان بالله سبحانه وتعالى
فعلا أنه يحتاج الأمر إلى الوعي التام فى مواجهة الكوارث من جميع الأطراف المعنية بما فيها الأفراد والعوائل والمجتمعات والحكومات حيث يتعين لهؤلاء الأطراف أن تكون لديها مواقف إيجابية عند حدوث الكوارث . ومن بين الأطراف المشار إليها الحكومة فإنها تتحمل على عاتقها أعظم المسئوليات لما لها من السلطة المطلقة فى معالجة الكوارث ، ومع ذلك فإن على أفراد المجتمع أيضا مسؤولية والتزام للمشاركة في معالجة الكوارث، وذلك لأن الكوارث فى حقيقة الأمر إذا حدثت فإنه لا تتضرر بها طائفة من الناس فحسب بل يتأثر بويلاتها جميع الناس من حولها إلى حد أن أضرارها يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من المناطق المنكوبة
وفى هذا الكتاب إيضاح أن الإغاثة والمساعدات فى حالات الكوارث يجب أن تراعى فيها الأولويات فـتمنح أولا لمستحقيها على أساس المبادئ الإنسانية ( ويشمل مبدأ الأولوية الفئات الأكثر احتياجا للمساعدات ) وفي الإسلام نجد أن هذه المبادئ لها جذورها القوية المتأصلة بنص القرآن الكريم ونص الحديث النبوي الشريف وعلى سبيل المثال قوله تعالى فى الآية 13 من سورة الحجرات . وإذا تأملنا هذه الآية فى سياق الكوارث نجد أن كلمة ” لتعارفوا ” والتى تعنى ” كي يتعرف بعضكم على البعض ” لم يتوقف المعنى المتضمن فى هذه الآية على معنى التعارف البينية فى الهوية ولكن الآية تشمل كل معانى التعاون والذى هو إيجاد التواصل الإيجابي بين الناس . وكلمة ” الناس ” فى الآية تشير إلى أن الإنسان يحتل مكانا مرموقا بصفته خلقا إجتماعيا مرتبطا مع البعض بأواصر أخوية مما يقتضى إلى إقامة علاقة إيجابية متبادلة بين بعضهم والبعض الآخر . وعلى هذا الأساس فإن الجميع عند مواجهة الكوارث ينبغى أن تكون نظرتهم لها على قدر كبير من المسئوليات المشتركة باعتبارها قضية إنسانية تهم الجميع
بالنسبة لمفهوم المساعدات الإنسانية فإنه يأتى وصفها فى هذا الكتاب على أن المساعدات المقدمة للمتضررين جراء الكوارث ليست مجرد الأنشطة التى هي تقديم المساعدات ( التبرعات الخيرية ) أو تلك الأنشطة التى تهدف إلى إشباع رغبات المانحين من أجل تلبية احتياجات المواطنين المتضررين فحسب وإنما يجب أن يتم منح المساعدات لغرض تفعيلها وتوظيفها وتغطية حقوق الإنسان فى الحصول على الحياة الكريمة مع مراعاة مبادئ المشاركة عن طريق العمل على تهيئة الأوضاع التى يجب أن تتحقق على جميع المستويات للأعمال الإنسانية بحيث يتمكن المواطنون المتضررون من البقاء على قيد الحياة لحين استتباب الأوضاع بصورة مستقرة وكريمة كما كانوا عليه
وهناك ستة حقوق للضحايا يتطرق هذا الكتاب إلى سردها وهي الحق فى التعرف على المخاطر والحق فى إدارة الحالات المتعرضة للخطر والحق فى الحصول على المساعدات فى حالات الطوارئ والحق فى إعادة التأهيل والإعمار والحق فى تشغيل النظام للتفادى من الكوارث والحق فى القوة والتحمل
واستيفاء للحقوق المشار إليها فإنه يجب التأكد من أن وصول المساعدات يكون مناسبا بالفعل وعلى قدر كبير من اللياقـة والمطابقة مع المعايير المعمول بها . وهذا ينطبق عليه مبادئ التعاليم الإسلامية حيث أن المساعدات التى تصرف يجب أن تتوفر فيها روح التوظيف والتفعيل لتكون وسيلة لنشر الدعوة فى سبيل تنشيط الإمكانيات المتاحة وفقا there لشعار ” ما يحييكم ” كما تبينه الآية 24 من سورة الأنفال . أضف إلى ذلك فإنه يجب التنويه إلى أن مانحي المساعدات أو المتلقين لها كانوا على مواقع متوازية . وعلى هذا الإعتبار لايجوز صرف المساعدات لأغراض سياسية أو دينية فضلا عن استخدامها كوسيلة لتحقيق مصالح السياسة الخارجية لدى الحكومة
وفى القسم الأخير من الكتاب إيضاح بكيفية الأداء للعبادات المحضة فى حالات حدوث الكوارث حيث يتسبب الأمرعادة فى اضطراب المجتمع فى ظل هذه الحالات المتأزمة . وفى هذا الكتاب بيان عن عشر المسائل المتعلقة بالكوارث بدءا من مسألة الطهارة و كيفية الصلاة وكيفية الصيام وما هي الطريقة المناسبة لمعالجة الجنائز من ضحايا الكوارث وانتهاء بالقضايا ذات العلاقة بصرف أموال الزكاة للمتضررين بالكوارث وضحاياها
وفى الحقيقة يمكن القول بأن ممارسة العبادات حال وقوع الكوارث تتم على المبدئين الرئيسين وهما مبدأ التيسير وتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والأحوال على أن الواجبات نحو الله تعالى فى أي حال من الأحوال وحتى فى حال وقوع الكوارث يجب أن يؤديها الإنسان المسلم ومع ذلك ترخص له الشريعة الإسلامية فى طريقة أدائها والقيام بها . ولا يخفى أن الإسلام لا يكلف الأمة بما هو فوق طاقتها من الواجبات . فليس على الإنسان إلا أن يؤدي حقوق الله تعالى وفقا للحد الأقصى مما لديه من الإستطاعة
راجين أن يكون هذا الكتاب إسهاما قيما في السعي وراء الجهود المبذولة للتغلب على الكوارث آمين يا مجيب السائلين